أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

هل تستمع لأبنائك ... ؟  ياسر الأحمد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هل تعلم أن الحاسة الوحيدة التي تعمل عند الإنسان وهو في بطن أمه هي حاسة السمع،

هذا ما أثبتته الأبحاث اليابانية الأخيرة، كما أن السمع هو الحاسة الوحيدة التي تعمل بعد وفاة الإنسان على ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري:" حتى إنه ليسمع قرع نعالهم"،

فالسمع مع الإنسان من بداية حياته إلى نهايتها.

والتربية قائمة كلها على السماع والكلام، لذا لو تصورنا أننا نستطيع منع حواسنا من العمل

لمنعناها إلا حاسة واحدة لا يستطيع الإنسان منعها إنها السمع،

وهنا نَذكر سراً من أسرار النوم أنه إذا توقف السمع نام الإنسان، قال تعالى: { وضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا }.

والسمع له أهمية كبيرة في حياة الناس، لأنه يؤثر على سلوكهم واعتقاداتهم، وقد حكى لنا القرآن الكريم قصة قوم نوح حين دعاهم فامتنعوا عن سماعه، قال تعالى { جعلوا أصابعهم في آذانهم } فمن شدة مبالغتهم في عدم استماع الحق جعلوا أصابعهم كلها في آذانهم حتى لا يسعوا شيءً.

سؤال: هل أنتم تستمعون لأبنائكم؟

هذا السؤال لا تستعجلون بالإجابة عليه، لأنكم ستقولون نعم ...

لكن في الحقيقة ينبغي أن لا تجيبوا أنتم على هذا السؤال ... إذا من يجيب على هذا السؤال؟ الذي يجيب على هذا السؤال هو أبنائكم!!!

هل تعلمون أن الطفل الذي لا يستمع إليه أباه وأمه في البيت فإنه يبحث عن من يستمع إليه خارجه, ومن هنا يبدأنا طريق الخروج عن مؤسسة الأسرة.

والسماع أيها الإخوة والأخوات على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى السماع: وهي دخول الصوت داخل الأذن كسماع صوت الجرس.

المرحلة الثانية الاستماع: والفرق بينها وبين السماع أنك تسمع وتتفاعل، أي كأن تسمع صوت الجرس فتتفاعل وتقوم وتفتح الباب.

المرحلة الثالثة الإنصات: يقول تعالى:

{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له}  هنا انتقلنا من المرحلة الأولى وهي السماع

إلى المرحلة الثانية وهي الاستماع

{وأنصتوا} وهي المرحلة الثالثة

{ لعلكم ترحمون}. فأنت ممكن أن تسمع القرآن على ثلاث مراحل:

1-   كصوت يدخل في الأذن، وهذا سماع.

2-   التأثر بالآيات والتفكر في معانيها، وهذا الاستماع.

3-   لو اتخذت قرار على معاني الآيات وأردت أن تفعل شيء، وهذا هو الإنصات.

سؤال مهم:

أنتم في علاقتكم مع أبنائكم في أي المراحل؟

أيضا هنا لا يجيبوا على هذا السؤال ... أسألوا أبنائكم لتعرفوا الجواب.

وبسبب عدم استماع الآباء لأبنائهم سلك كثير منهم طريق الانحراف ومنها المخدرات والخمور والقضايا الجنسية، وعندما تسألهم عن سبب انحرافهم يقولون: لا يوجد أحد من يسمعنا في البيت.

وعندما نتكلم عن المهارات في التربية فالمهارات كثيرة، وهناك أولويات فيها، ومن أهم المهارات في تربية الأبناء هي مهارة الاستماع.

فنحن لو استطعنا أن نحسن الاستماع لأحسنا الحوار وإذا أحسنا الحوار أحسنا التربية.

 

هل تعلم أخي الكريم أن السمع يساوي ثلاث أضعاف البصر؟

أي أن المعلومات التي تأخذ من البصر ثلاثة أضعافها تأخذ من السمع، فالصوت عندما يدخل إلى الأذن يتفاعل معه العقل ويتأثر فيه القلب.

وها هو الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه، يرشدك إلى معادلة جليلة، وفيها يضع النقاط على الحروف، فيقول: (أنصف أذنيك من فيك، فإنما جُعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم)

ولكي تؤدي حق نعمة السمع التي أعطاك الله إياها لابد لك أيها الأخ الكريم أن تدرب نفسك على الاستماع لأبنائك, فلقد استنفذت أعواماً لكي تتعلم كيف تقرأ وتكتب، وأعواماً لتتعلم كيف تتحدث، ولكن ماذا عن الاستماع ؟

 وهنا سؤال أخير ...

ما هو التدريب أو التعليم الذي تلقيته ليساعدك على إتقان فن الاستماع لتتمكن من فهم ما يريده أبنائك؟

فإذا نجحت في ممارسة هذه المهارة، فإن النتيجة المباشرة والقريبة هي تعبير أبنائك عن أحاسيسهم بالكلام الذي يخفف من صراعاتهم ويشبع عواطفهم واحتياجاتهم،

أن الاستماع إلى الأبناء والحديث معهم هو بداية لتكون شخصية تجيد الاستماع

وذلك يعطي الأبناء فرصة التزود بالثقافة والمعلومات واستشارة الآخرين

كما أن الاستماع للأبناء سوف يساعدهم على التخلص من الخجل والقدرة على التفكير وتعلم الاحترام المتبادل وهي عناصر هامة في بناء ثقتهم في أنفسهم.

ربما يكون يوم الأبوين مشغولاً ومزدحماً بالعديد من الأعمال، مما لا يسمح لهما بالجلوس مع الأبناء بشكل كافي،

لكن هل لا يستحق أبنائنا بعضاً من وقتنا؟

 الاستماع للأبناء أمر ضروري جداً لعلاقة سوية معهم، حاول قدر الإمكان تخصيص وقت للجلوس مع أبنائك للاستماع لهم فقط، ليتحدثوا معك عن أحداث يومهم، أصدقائهم... أحلامهم... وتحفظاتهم، هم يتكلمون وأنتِ أنصت فقط.

وأليكم خماسية الاستماع الجيد
1- يجب الاستماع للأبناء حتى يعبروا عما يشعرون به من مخاوف.

 2- تطبيق نظرية الاستماع المعاكس، وهي الاستجابة التي يقوم بها الآباء لتعكس شعور الطفل، فاستجابة الآباء إيجابية مثل كلمة "أنا فهمك" أو "أعلم ما تقول" تشعر الطفل بالسعادة ويعتبرها حافزًا لتكرار السلوك الجيد فالاستماع العاكس هو بمثابة المرآة التي يرى الطفل فيها نفسه من خلالها.
3- مساعدة الابن على بلورة شعوره باستعمال الكلمات للتعبير عن انفعالاته.
4- التفهم لمشكلة الطفل وإظهار التعاطف معه.
5- إعطاء الابن الوقت اللازم للتعبير عما يشعر أو يقلقه دون مقاطعته.

 

أخي الكريم يحتاج الأبناء إلى قضاء بعض الأوقات التي تخلق ذكريات مميزة مع آبائهم، فقضاء وقت معهم لقص حكاية، أو لقراءة كتاب، أو لنزهة في حديقة أو حتى اللعب معهم، لا يكلف شيئاً، لكنه يصنع فارقاً مع أبنائك فإنه يوصلك إلى غاية كبرى وهي تواصل جيد لتربية متكاملة.

قبل الختام أود التنبيه على أنه ليس عبثا أن ينتشر في الدول الغربية الكثير من جمعيات الاستماع والإنصات وتهافت الناس عليها، وهو الأمر الذي يبرر حاجة الناس الملحة إلى من يستمع إليهم في وقت ينشغل فيه الجميع عن الجميع.

وفي الختام أقول ما أحوج الآباء بل كل الأوصياء على الأبناء إلى جلسات هادئة صادقة تكون بعيدة عن هموم الحياة وانشغالاتها حتى يتسنى لهم تربية أبنائهم ليكسبوا بذلك رضوان الله الموصل إلى جناة النعيم.

اللهم بارك لنا في أبنائنا وأجعلهم قرة عين لنا، والحمد لله رب العالمين.